# # # #
   
 
 
[ 04.08.2009 ]
الامين العام للمنبر المدني السوداني يناشد منظمات العالم مساندة منظمات المجتمع السوداني




انتخابات السودان 2010: هل ستكون حرة وسلمية وشاملة؟

تم تنظيم أول انتخابات ديمقراطية في السودان في عام 1953 خلال فترة الـ 3 سنوات من الحكم الذاتي تدرجا الى يوم الاستقلال الاول من يناير 1956. ومع ذلك فقد نظمت 4 انتخابات ديمقراطية فقط، خلال 53 عاما من الاستقلال لأن السودان خضع لمدة 42 سنة لديكتاتوريات عسكرية أو مدنية (من 1958 الى 64، ومن 1969 الى 85، ومن 1989 الى 2009). وخلال هذه السنوات فان واحدة من أكبر المكاسب التي تحققت للشعب السوداني هي "اتفاقية السلام الشامل" الموقعة في عام 2005 بين الجيش الشعبي لتحرير السودان وحكومة السودان التي يقودها حزب المؤتمر الوطني. وقد الزمت شروط الاتفاقية الطرفان باجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة في منتصف فترة الـ 6 سنوات الانتقالية التي تم الاتفاق عليها (2006-2011).

وعلى الرغم من ذلك فقد تعرضت قوة التحول الانتخابية بالاقتراع السري للتشكيك، لأنه في إطار سياق كالذي في السودان، فقد تم "تصنيم" الانتخابات، الامر الذي نتج عنه ان ابقى السلوك الانتخابي على أساسيات السياسة دون تغيير، أي قيام انتخابات دون المكونات الأساسية للديمقراطية كالوصول الى العدالة، والشفافية الحكومية، وحرية التعبير والتنظيم. الخ.

بسبب ما ورد أعلاه، فقد طرح السؤال "هل من الاهمية ان تكون لدينا انتخابات حتى ولو لم تحقق اي تغيير؟" بين العديد من المثقفين، بل والعديد من المواطنين العاديين. والإجابة الفورية في حالة السودان، وبالاخص بالنسبة للانتخابات المقبلة هي نعم بالتأكيد وذلك للاسباب التالية:
1. من الناحية العامة فان الممارسات الفاسدة من القوى السياسية، وقصور القادة ازاء الديمقراطية لا يبرر رفض قيمها النبيلة والتأكيد على حق التعبير من خلال التصويت الحر. وفي الواقع، فقد كان منطق قادة الانقلاب العسكري ومؤيديهم، هو ان الديمقراطية الليبرالية غير مناسبة "لنا"، على الرغم من ان كل شرور الصراعات والحروب الأهلية، والانهيار الاقتصادي، وانتهاك حقوق الإنسان، والعزلة الدبلوماسية، على سبيل المثال لا الحصر، تحدث في ظل الأنظمة الشمولية.
2. التحول الديمقراطي والانتخابات المقبلة (أبريل 2010)، هي واحدة من أشياء قليلة، توافق عليها جميع المتنافسين السياسيين في البلاد. وهو أيضا لحظة من التماسك الوطني ومشاركة من قبل جميع المواطنين السودانيين، كتمرين لمرحلة ما بعد الصراع، يوفر فرصة لمختلف المعارضين والاعداء السابقين للعمل معا.
3. الانتخابات هي أيضا مقسمة السلام الذي سيتقاسمه جميع المواطنين وليس مقصورا على الطرفين الموقعين على اتفاق السلام الشامل، وبالنسبة "للآخرين" فقد تستطيع أن تبرهن  انها "جزرة" السلام.

كل ذلك بالإضافة إلى الاستفادة من تأكيد الحقوق الأساسية وحرية الاختيار اللذان سيتمتع بهما الشعب السوداني مثل غيره من الشعوب الحرة في العالم.

خصائص انتخابات عام 2010
كل الانتخابات الديمقراطية السابقة في السودان كانت عموما سلمية وحرة ونزيهة، وإن لم تشمل كل البلاد في بعض الحالات. ولم يحدث ان تعرضت نتائج الانتخابات للطعن أو الرفض من أي طرف رغم عدم وجود مراقبين غير المرشحين وممثليهم. ان الأسباب الرئيسية وراء هذا السجل الإيجابي في إدارة الانتخابات هي: (أ) ان اجهزة الامن والخدمة المدنية كانت منظمة تنظيما جيدا، ومتميزة بالكفاءة والنزاهة (ب) القضاء المستقل (ج) عدم وجود الصراعات العرقية والدينية.

اما انتخابات عام 2010 بصورة خاصة فانها مختلفة عن كل الانتخابات السابقة في عدة طرق:
1. هي جزء من تنفيذ اتفاق السلام الشامل، وقد تم ترتيبها كجزء لا يتجزأ من اتفاق السلام الشامل والدستور الانتقالي، الأمر الذي ينطوي على مشاركة عدد كبير من اللاعبين، بما في ذلك المجتمع الدولي الذي أدار المفاوضات وضـَمـِن الاتفاق.
2. من المتوقع ان يكون لنتائج الانتخابات تأثير وانعكاسات قوية على وحدة البلاد لأنها سوف تؤثر على التصويت في استفتاء سكان جنوب السودان الذي سيجرى عام 2011، وكذلك على تطور النزاع في دارفور واحتمالات تسويتها.
3. لقد تم تسجيل أكثر من 50 حزبا سياسيا للمشاركة في الانتخابات، وأقواها، من حيث القوة، والتنظيم، والموارد، بل وحتى التسلح، ثلاثة قوى تم تشكيلها خلال العقدين الماضيين وهي حزب المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الشعبي، وهو ما يجعل من الصعوبة جدا التنبؤ بنتائجها وكذلك مردودها السياسي وتداعياته.
4. سوف تدار الانتخابات لأول مرة، من قبل مفوضية مستقلة منصوص عليها في الدستور الانتقالي واشترط قانون الانتخابات ان تكون سلطة رقابتها على الانتخابات شرط للمصادقة على نتائج الانتخابات (على الصعيدين الوطني والدولي) .
5. سوف تكون الانتخابات هذه المرة معقد جدا مقارنة مما خبره السوداني (الذي اتيحت له الفرصة للتصويت قبل) في الماضي، اذ:
(أ) سوف تستمر لمدة 8 أيام.
(ب) سيقترع الناخبون لاختيار اعضاء المجلس الوطني، ورئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة في جنوب السودان، و 25 واليا ومجالس التشريع الولائية (25 ولاية).
(ج) سوف يتم تطبيق نظام التمثيل النسبي لاول مرة عن 15 ٪ من مقاعد المجلس الوطني ومجالس التشريع الولايائية.
(د) تم اعتماد نظام الحصص (25 ٪) للمرة الأولى على الصعيدين الوطني ومستوى الولايات.

وتنطوي جميع هذه الترتيبات على تحديات كبيرة على تخطيط وإدارة ومراقبة العملية الانتخابية.

التحديات
ولا يتمثل التحدي الرئيسي للانتخابات في السودان في أن تكون حرة و نزيهة فقط، ولكن أيضا في ان تكون سلمية وشاملة. واضافة الى طبيعة العملية الانتخابية المعقدة والمخاطر المترتبة على ذلك، فان الانتخابات تواجه عددا من التحديات العملية منها:

1. اتساع مساحة البلاد (2 مليون كيلومتر مربع). ووفقا لخطط المفوضية الوطنية الانتخابات، فسوف يكون هناك 52.000 مركز اقتراع في البلاد. وهذا يعني ان هناك حاجة الى موارد مالية وبشرية هائلة لادارة العمليات الانتخابية على النحو الصحيح بدءا من حملات تسجيل الناخبين والى عملية فرز الاصوات، وكذلك توفر آليات سريعة لتسوية المنازعات.
2. عدم الاستقرار وانعدام الأمن في عدة مناطق من البلاد. فقد حددت المفوضية الوطنية للانتخابات عدة مناطق صراعات محتملة في شمال الجنوب وجنوب كردفان وبحر الغزال وولايات دارفور، بالإضافة إلى الصراع الدائر في معظم أنحاء دارفور الكبرى.
3. الخلاف حول نتائج التعداد الوطني للسكان (بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان حول الجنوب ودارفور)، والتي سيتم ترسيم الدوائر الانتخابية بناء على نتائجها.
4. الطبيعة المعقدة للانتخابات (8 أيام لشمال السودان و12 يوما لجنوب السودان) جنبا الى جنب مع التمثيل النسبي وحصة النساء.
5. ارتفاع نسبة الأمية في معظم اجزاء البلاد وعدم وجود أي تجربة انتخابية لجميع من هم دون الاربعين 40 عاما، ووهي الفئة العمرية التي تضم اغلبية المتعلمين.
6. ضعف الخدمة المدنية، وضعف القدرة على إدارة الانتخابات، وخاصة على مستوى الولايات وضيق الوقت والتكاليف الباهظة اللازمة لتدريب الكوادر اللازمة.
7. النقص الحاد في الثقة بين جميع الأطراف السياسية الفاعلة الرئيسية وقلة ثقة الناس في الحكومة. وانعدام الثقة بين الجمهور واضح أيضا في عدة مناطق من البلاد.
8. انتشار الأسلحة الصغيرة في معظم انحاء البلاد بما فيها العاصمة الخرطوم.
9. مشكلة الموارد المالية. وقد ذكرت المفوضية الوطنية للانتخابات ان عملية الانتخابات ستكلف حوالي 2 مليار دولار امريكى.
10. المشاكل الناشئة عن تنقل السكان مثل النازحين، والرعاة وجماعات البدو، والطلاب في مؤسسات التعليم العالي... الخ بالعلاقة مع اماكن التسجيل والاقتراع.

دور المجتمع المدني
يضع المشهد الموصوف أعلاه، مسؤوليات ضخمة على منظمات المجتمع المدني، والتي تم الاعتراف بها لأول مرة في قانون الانتخابات باعتبارها لاعبا رئيسيا في عملية التدريب ومراقبة الانتخابات. ومع ذلك، وإضافة إلى الموارد المادية الضخمة الضرورية والتي ليست مضمونة بأي حال، فان الموارد البشرية اللازمة نادرة ندرة الموارد المالية ، وخاصة مع الوقت القصير المتبقي من الآن وحتى بداية عملية الانتخابات مع بدء التسجيل في نوفمبر 2009. وبذلك يمكن تلخيص أهم المهام الهامة في ما يلي:
(أ) تعبئة الموارد.
(ب) بناء قدرات منظمات المجتمع المدني (دورات التدريب، ومدربي الناخبين، والمراقبة الاعلامية، والمراقبين والمنسقين والمديرين للعملية الانتخابية، وإعداد المواد اللازمة لجميع المراحل).
(ج). بناء الشبكات: داخليا لتحقيق أقصى قدر من التغطية والاستخدام الأمثل للموارد، وخاصة بين الشمال والجنوب، وخارجيا للاستفادة من الخبرات والقدرات لمنظمات المجتمع المدني الشريكة.
(د). وضع خطط العمل ونظم الإدارة المقنعة للمانحين، ولمفوضية الانتخابات وللناخبين على حد سواء لأداء وظيفة مسؤولة والحصول على الاعتراف بها كقوة فعالة.
(هـ). البدء من الآن.

ان عبارة انتخابات حرة ونزيهة وشاملة وسلمية التي خطتها منظمات المجتمع المدني، والتي تجعل من الانتخابات امرا مهما، تؤشر على دور اكثر تعاظما لمنظمات المجتمع المدني، مقارنة على سبيل المثال بدور الجهات الفاعلة الدولية والمراقبين، وتدفع بالمجتمع المدني كي يرتقي إلى مستوى توقعات شركائه وتوقعات الشعب السوداني.

ان اقصر الطرق للبدء، في ظل النقص الكبير في الموارد، هو مناشدة جميع منظمات المجتمع المدني في جميع انحاء العالم الى محاولة الاسهام في تلك العملية، ومن ثم نساهم معا في تحقيق تحول ديمقراطي سلمي، وان ننتهي الى بلد ديمقراطي وموحد وسلمي ومزدهر. ورغم كل الصعاب، فانني أعتقد أن بامكاننا القيام بذلك.

الدكتور حسن عبد العاطي
الامين العام للمنبر المدني الوطني

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by